الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

اعلم أنه تعالى بين كيف سهل السبيل في خلاص يوسف من تلك المحنة، فقال: { وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ } يعني رفقة تسير للسفر. قال ابن عباس: جاءت سيارة أي قوم يسيرون من مدين إلى مصر فأخطؤا الطريق فانطلقوا يهيمون على غير طريق، فهبطوا على أرض فيها جب يوسف عليه السلام، وكان الجب في قفرة بعيدة عن العمران لم يكن إلا للرعاة، وقيل: كان ماؤه ملحاً فعذب حين ألقي فيه يوسف عليه السلام فأرسلوا رجلاً يقال له: مالك بن ذعر الخزاعي ليطلب لهم الماء، والوارد الذي يرد الماء ليستقي القوم { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } ونقل الواحدي عن عامة أهل اللغة أنه يقال: أدلى دلوه إذا أرسلها في البئر ودلاها إذا نزعها من البئر يقال: أدلى يدلي إدلاء إذا أرسل ودلا يدلو دلواً إذا جذب وأخرج، والدلو معروف، والجمع دلاء { قَالَ يَـا بُشْرى هَـٰذَا غُلاَمٌ } وههنا محذوف، والتقدير: فظهر يوسف قال المفسرون: لما أدلى الوارد دلوه وكان يوسف في ناحية من قعر البئر تعلق بالحبل فنظر الوارد إليه ورأى حسنه نادى، فقال: يا بشرى. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي { بُشْرىً } بغير الألف وبسكون الياء، والباقون يا بشراي بالألف وفتح الياء على الإضافة. المسألة الثانية: في قوله: { ٱلرّيَاحَ بُشْرىً } قولان: القول الأول: أنها كلمة تذكر عند البشارة ونظيره قولهم: يا عجباً من كذا وقوله: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } وعلى هذا القول ففي تفسير النداء وجهان: الأول: قال الزجاج: معنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب تنبيه المخاطبين وتوكيد القصة فإذا قلت: يا عجباه فكأنك قلت اعجبوا. الثاني: قال أبو علي: كأنه يقول: يا أيتها البشرى هذا الوقت وقتك، ولو كنت ممن يخاطب لخوطبت الآن ولأمرت بالحضور. واعلم أن سبب البشارة هو أنهم وجدوا غلاماً في غاية الحسن وقالوا: نبيعه بثمن عظيم ويصير ذلك سبباً لحصول الغنى. والقول الثاني: وهو الذي ذكره السدي أن الذي نادى صاحبه وكان اسمه، فقال يا بشرى كما تقول يا زيد. وعن الأعمش أنه قال: دعا امرأة اسمها بشرى { ٱلرّيَاحَ بُشْرىً } قال أبو علي الفارسي: إن جعلنا البشرى اسماً للبشارة، وهو الوجه جاز أن يكون في محل الرفع كما قيل: يا رجل لاختصاصه بالنداء، وجاز أن يكون في موضع النصب على تقدير: أنه جعل ذلك النداء شائعاً في جنس البشرى، ولم يخص كما تقول: يا رجلاًيٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } [يس: 30]. وأما قوله تعالى: { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } ففيه مسألتان: المسألة الأولى: الضمير في { وَأَسَرُّوهُ } إلى من يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى الوارد وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه في الجب، وذلك لأنهم قالوا: إن قلنا للسيارة التقطناه شاركونا فيه، وإن قلنا اشتريناه: سألونا الشركة، فالأصوب أن نقول: إن أهل الماء جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر.

السابقالتالي
2 3