الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

اعلم أنه لا بد من الإضمار في هذه الآية في موضعين: الأول: أن تقدير الآية قالوا: { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذَا لَّخَـٰسِرُونَ } فأذن له وأرسله معهم ثم يتصل به قوله: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } والثاني: أنه لا بد لقوله: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبّ } من جواب إذ جواب لما غير مذكور وتقديره فجعلوه فيها، وحذف الجواب في القرآن كثير بشرط أن يكون المذكور دليلاً عليه وههنا كذلك. قال السدي: إن يوسف عليه السلام لما برز مع إخوته أظهروا له العداوة الشديدة، وجعل هذا الأخ يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ولا يرى فيهم رحيماً فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يقول يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك، فقال يهودا أليس قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه فانطلقوا به إلى الجب يدلونه فيه وهو متعلق بشفير البئر فنزعوا قميصه، وكان غرضهم أن يلطخوه بالدم ويعرضوه على يعقوب، فقال لهم ردوا علي قميصي لأتوارى به، فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً لتؤنسك، ثم دلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه ليموت، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة فقام بها وهو يبكي فنادوه فظن أنه رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فقام يهودا فمنعهم وكان يهودا يأتيه بالطعام، وروي أنه عليه السلام لما ألقي في الجب قال يا شاهداً غير غائب. ويا قريباً غير بعيد. ويا غالباً غير مغلوب. اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، وروي أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار جرد عن ثيابه فجاءه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة وألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحق، وإسحق إلى يعقوب، فجعله يعقوب في تميمة وعلقها في عنق يوسف عليه السلام فجاء جبريل عليه السلام فأخرجه وألبسه إياه. ثم قال تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } قولان: أحدهما: أن المراد منه الوحي والنبوة والرسالة وهذا قول طائفة عظيمة من المحققين، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنه عليه السلام هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صبياً قال بعضهم: إنه كان في ذلك الوقت بالغاً وكان سنه سبع عشرة سنة، وقال آخرون: إنه كان صغيراً إلا أن الله تعالى أكمل عقله وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة كما في حق عيسى عليه السلام. والقول الثاني: إن المراد من هذا الوحي الإلهام كما في قوله تعالى:وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } [القصص: 7] وقوله:وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ }

السابقالتالي
2