الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: روي أن يوسف عليه السلام أخذ بيد يعقوب وطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الحلي وخزائن الثياب وخزائن السلاح، فلما أدخله مخازن القراطيس قال يا بني ما أغفلك، عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل قال: نهاني جبريل عليه السلام عنه قال سله عن السبب قال: أنت أبسط إليه فسأله فقال جبريل عليه السلام: أمرني الله بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب فهلا خفتني وروي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعاً وعشرين سنة ولما قربت وفاته أوصى إليه أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحق فمضى بنفسه ودفنه ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فعند ذلك تمنى ملك الآخرة فتمنى الموت. وقيل: ما تمناه نبي قبله ولا بعده فتوفاه الله طيباً طاهراً، فتخاصم أهل مصر في دفنه كل أحد يحب أن يدفه في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا أن الأصلح أن يعملوا له صندوقاً من مرمر ويجعلوه فيه ويدفنوه في النيل بمكان يمر الماء عليه ثم يصل إلى مصر لتصل بركته إلى كل أحد، وولد له افراثيم وميشا، وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى، ثم دفن يوسف هناك إلى أن بعث الله موسى فأخرج عظامه من مصر ودفنها عند قبر أبيه. المسألة الثانية: من في قوله: { مّنَ ٱلْمُلْكِ وَمِنْ تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } للتبعيض، لأنه لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا أو بعض ملك مصر وبعض التأويل. قال الأصم: إنما قال من الملك، لأنه كان ذو ملك فوقه. واعلم أن مراتب الموجودات ثلاثة: المؤثر الذي لا يتأثر وهو الإله تعالى وتقدس، والمتأثر الذي لا يؤثر وهو عالم الأجسام، فإنها قابلة للتشكيل والتصوير والصفات المختلفة والأعراض المتضادة فلا يكون لها تأثير في شيء أصلاً، وهذان القسمان متباعدان جداً ويتوسطهما قسم ثالث، وهو الذي يؤثر ويتأثر، وهو عالم الأرواح، فخاصية جوهر الأرواح أنها تقبل الأثر والتصرف عن عالم نور جلال الله، ثم إنها إذا أقبلت على عالم الأجسام تصرفت فيه وأثرت فيه، فتعلق الروح بعالم الأجسام بالتصرف والتدبير فيه، وتعلقه بعالم الإلهيات بالعلم والمعرفة. وقوله تعالى: { قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ } إشارة إلى تعلق النفس بعالم الأجسام وقوله: { وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } إشارة إلى تعلقها بحضرة جلال الله، ولما كان لا نهاية لدرجات هذين النوعين في الكمال والنقصان والقوة والضعف والجلاء والخفاء، امتنع أن يحصل منهما للإنسان إلا مقدار متناه، فكان الحاصل في الحقيقة بعضاً من أبعاض الملك، وبعضاً من أبعاض العلم، فلهذا السبب ذكر فيه كلمة «من» لأنها دالة على التبعيض، ثم قال: { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وفيه أبحاث: البحث الأول: في تفسير لفظ الفاطر بحسب اللغة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6