الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: في الآية قولان: الأول: أن النفث النفخ مع ريق، هكذا قاله صاحب الكشاف، ومنهم من قال: إنه النفخ فقط، ومنه قوله عليه السلام: " إن جبريل نفث في روعي " والعقد جمع عقدة، والسبب فيه أن الساحر إذا أخذ في قراءة الرقية أخذ خيطاً، ولا يزال يعقد عليه عقداً بعد عقد وينفث في تلك العقد، وإنما أنت النفاثات لوجوه أحدها: أن هذه الصناعة إنما تعرف بالنساء لأنهن يعقدن وينفثن، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر وإحكام الهمة والوهم فيه، وذلك إنما يتأتى من النساء لقلة علمهن وشدة شهوتهن، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى، قال أبو عبيدة: النفـاثـات هن بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها: أن المراد من: النفـاثـات النفوس وثالثها: المراد منها الجماعات، وذلك لأنه كلما كان اجتماع السحرة على العمل الواحد أكثر كان التأثير أشد القول الثاني: وهو اختيار أبي مسلم: { مِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } أي النساء في العقد، أي في عزائم الرجال وآرائهم وهو مستعار من عقد الحبال، والنفث وهو تليين العقدة من الحبل بريق يقذفه عليه ليصير حله سهلاً، فمعنى الآية أن النساء لأجل كثرة حبهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأي إلى رأي، ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر الله رسوله بالتعوذ من شرهن كقوله:إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14] فلذلك عظم الله كيدهن فقال:إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف: 28]. واعلم أن هذا القول حسن، لولا أنه على خلاف قول أكثر المفسرين. المسألة الثالثة: أنكرت المعتزلة تأثير السحر، وقد تقدمت هذه المسألة، ثم قالوا: سبب الاستعاذة من شرهن لثلاثة أوجه أحدها: أن يستعاذ من إثم عملهن في السحر والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن والثالث: أن يستعاذ من إطعامهن الأطعمة الرديئة المورثة للجنون والموت.