الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } * { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ }

واعلم أن هذه هي القصة السابعة من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة وهي آخر القصص من هذه السورة، أما قوله: { بِآيَـٰتِنَا وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } ففيه وجوه: الأول: أن المراد من الآيات التوراة مع ما فيها من الشرائع والأحكام، ومن السلطان المبين المعجزات القاهرة الباهرة والتقدير: ولقد أرسلنا موسى بشرائع وأحكام وتكاليف وأيدناه بمعجزات قاهرة وبينات باهرة الثاني: أن الآيات هي المعجزات والبينات وهو كقوله:إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا } [يونس: 68] وقوله:مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } [النجم: 23] وعلى هذا التقدير ففي الآية وجهان: الأول: أن هذه الآيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوته. الثاني: أن يراد بالسلطان المبين العصا، لأنه أشهرها وذلك لأنه تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص من الثمرات والأنفس. ومنهم من أبدل نقص الثمرات والأنفس بإظلال الجبل وفلق البحر، واختلفوا في أن الحجة لم سميت بالسلطان. فقال بعض المحققين: لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه عند النظر كما يقهر السلطان غيره، فلهذا توصف الحجة بأنها سلطان، وقال الزجاج: السلطان هو الحجة والسلطان سمي سلطاناً لأنه حجة الله في أرضه واشتقاقه من السليط والسليط ما يضاء به ومن هذا قيل للزيت السليط وفيه قول ثالث: وهو أن السلطان مشتق من التسليط، والعلماء سلاطين بسبب كمالهم في القوة العلمية والملوك سلاطين بسبب ما معهم من القدرة والمكنة، إلا أن سلطنة العلماء أكمل وأقوى من سلطنة الملوك، لأن سلطنة العلماء لا تقبل النسخ والعزل وسلطنة الملوك تقبلهما ولأن سلطنة الملوك تابعة لسلطنة العلماء وسلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنة. فإن قيل: إذا حملتم الآيات المذكورة في قوله: { بِـئَايَـٰتِنَا } على المعجزات والسلطان أيضاً على الدلائل والمبين أيضاً معناه كونه سبباً للظهور فما الفرق بين هذه المراتب الثلاثة؟ قلنا: الآيات اسم للقدر المشترك بين العلامات التي تفيد الظن، وبين الدلائل التي تفيد اليقين وأما السلطان فهو اسم لما يفيد القطع واليقين، إلا أنه اسم للقدر المشترك بين الدلائل التي تؤكد بالحس، وبين الدلائل التي لم تتأكد بالحس، وأما الدليل القاطع الذي تأكد بالحس فهو السلطان المبين، ولما كانت معجزات موسى عليه السلام هكذا لا جرم وصفها الله بأنها سلطان مبين. ثم قال: { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وملائه } يعني وأرسلنا موسى بآياتنا بمثل هذه الآيات إلى فرعون وملائه، أي جماعته. ثم قال: { فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } ويحتمل أن يكون المراد أمره إياهم بالكفر بموسى ومعجزاته ويحتمل أن يكون المراد من الأمر الطريق والشأن.

السابقالتالي
2