الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

اعلم أنه تعالى لما قال: { وَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني عن عبادته وطاعتهفَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود:3] بين بعده أن التولي عن ذلك باطناً كالتولي عنه ظاهراً فقال: { أَلاَ إِنَّهُمْ } يعني الكفار من قوم محمد صلى الله عليه وسلم يثنون صدورهم ليستخفوا منه. واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين: الأول: أنهم يثنون صدورهم يقال: ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته، وفي الآية وجهان: الوجه الأول: روي أن طائفة من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد، فكيف يعلم بنا؟ وعلى هذا التقدير: كان قوله: { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } كناية عن النفاق، فكأنه قيل: يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى، ثم نبه بقوله: { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم. الوجه الثاني: روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، والتقدير كأنه قيل: إنهم يتصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم، لئلا يسمعوا كلام رسول الله وما يتلو من القرآن، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن. وقوله: { ألا } للتنبيه، فنبه أولاً على أنهم ينصرفوا عنه ليستخفوا ثم كرر كلمة { ألا } للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم، وهو حين يستغشون ثيابهم، كأنه قيل: ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من الله، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم. ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله: { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }.