الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

أما قوله: { وَقَالَ } يعني نوح عليه السلام لقومه: { ٱرْكَبُواْ } والركوب العلو على ظهر الشيء ومنه ركوب الدابة وركوب السفينة وركوب البحر وكل شيء علا شيئاً فقد ركبه، يقال ركبه الدين قال الليث: وتسمي العرب من يركب السفينة راكب السفينة. وأما الركبان والركب من ركبوا الدواب والإبل. قال الواحدي: ولفظة في في قوله: { ٱرْكَبُواْ فِيهَا } لا يجوز أن تكون من صلة الركوب، لأنه يقال ركبت السفينة ولا يقال ركبت في السفينة، بل الوجه أن يقال مفعول اركبوا محذوف والتقدير اركبوا الماء في السفينة، وأيضاً يجوز أن يكون فائدة هذه الزيادة، أنه أمرهم أن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهرها فلو قال اركبوها: لتوهموا أنه أمرهم أن يكونوا على ظهر السفينة. أما قوله تعالى: { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم مجريها بفتح الميم والباقون بضم الميم واتفقوا في مرساها أنه بضم الميم، وقال صاحب «الكشاف»: قرأ مجاهد { مجريها ومرسيها } بلفظ اسم الفاعل مجروري المحل صفتين لله تعالى. قال الواحدي: المجرى مصدر كالإجراء، ومثله قوله:مُنزَلاً مُّبَارَكاً } [المؤمنون: 29] وأَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] وأما من قرأ { مجريها } بفتح الميم، فهو أيضاً مصدر، مثل الجري. واحتج صاحب هذه القراءة بقوله:وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ } [هود: 42] ولو كان مجراها لكان وهي تجريهم، وحجة من ضم الميم أن جرت بهم وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال: { تَجْرِى بِهِمْ } فكأنه قال: تجريهم، وأما المرسي فهو أيضاً مصدر كالإرساء. يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت وأرساه غيره، قال تعالى:وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا } [النازعات: 32] قال ابن عباس: يريد تجري بسم الله وقدرته، وترسو بسم الله وقدرته، وقيل: كان إذا أراد أن تجري بهم قال: { بِسْمِ اللَّهِ } فتجري، وإذا أراد أن ترسو قال: بسم الله مرساها فترسو. المسألة الثانية: ذكروا في عامل الإعراب في { بِسْمِ اللَّهِ مجريها } وجوهاً: الأول: اركبوا بسم الله، والثاني: ابدؤا بسم الله، والثالث: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، وقيل: إنها سارت لأول يوم من رجب، وقيل: لعشر مضين من رجب، فصارت ستة أشهر، واستوت يوم العاشر من المحرم على الجودي. المسألة الثالثة: في الآية احتمالان: الاحتمال الأول: أن يكون مجموع قوله: { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } كلاماً واحداً، والتقدير: وقال اركبوا فيها بسم مجريها ومرساها، يعني ينبغي أن يكون الركوب مقروناً بهذا الذكر. والاحتمال الثاني: أن يكونا كلامين، والتقدير: أن نوحاً عليه السلام أمرهم بالركوب، ثم أخبرهم بأن مجريها ومرساها ليس إلا بسم الله وأمره وقدرته.

السابقالتالي
2