الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ }

اعلم أن الله تعالى وصف هؤلاء المنكرين الجاحدين بصفات كثيرة في معرض الذم. الصفة الأولى: كونهم مفترين على الله، وهي قوله:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [هود:18]. والصفة الثانية: أنهم يعرضون على الله في موقف الذل والهوان والخزي والنكال وهي قوله:أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } [هود: 18]. والصفة الثالثة: حصول الخزي والنكال والفضيحة العظيمة وهي قوله:وَيَقُولُ ٱلاْشْهَادُ هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } [هود: 18]. والصفة الرابعة: كونهم ملعونين من عند الله، وهي قوله:أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } [هود: 18]. والصفة الخامسة: كونهم صادين عن سبيل الله مانعين عن متابعة الحق، وهي قوله:ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [هود:19]. والصفة السادسة: سعيهم في إلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، وهي قوله:وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } [هود:19]. والصفة السابعة: كونهم كافرين، وهي قوله:وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } [هود: 19]. والصفة الثامنة: كونهم عاجزين عن الفرار من عذاب الله، وهي قوله: { أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } قال الواحدي: معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد. يقال أعجزني فلان أي منعني عن مرادي، ومعنى معجزين في الأرض أي لا يمكنهم أن يهربوا من عذابنا فإن هرب العبد من عذاب الله محال، لأنه سبحانه وتعالى قادر على جميع الممكنات، ولا تتفاوت قدرته بالبعد والقرب والقوة والضعف. والصفة التاسعة: أنهم ليس لهم أولياء يدفعون عذاب الله عنهم، والمراد منه الرد عليهم في وصفهم الأصنام بأنها شفعاؤهم عند الله والمقصود أن قوله: { أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } دل على أنهم لا قدرة لهم على الفرار وقوله: { وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء } هو أن أحداً لا يقدر على تخليصهم من ذلك العذاب، فجمع تعالى بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم وبين بذلك انقطاع حيلهم في الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة، ثم اختلفوا فقال قوم المراد إن عدم نزول العذاب ليس لأجل أنهم قدروا على منع الله من إنزال العذاب ولا لأجل أن لهم ناصراً يمنع ذلك العذاب عنهم، بل إنما حصل ذلك الإمهال لأنه تعالى أمهلهم كي يتوبوا فيزولوا عن كفرهم فإذا أبوا إلا الثبات عليه فلا بد من مضاعفة العذاب في الآخرة، وقال بعضهم: بل المراد أن يكونوا معجزين لله عما يريد إنزاله عليهم من العذاب في الآخرة أو في الدنيا ولا يجدون ولياً ينصرهم ويدفع ذلك عنهم. والصفة العاشرة: قوله تعالى: { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } قيل سبب تضعيف العذاب في حقهم أنهم كفروا بالله وبالبعث وبالنشور، فكفرهم بالمبدأ والمعاد صار سبباً لتضعيف العذاب، والأصوب أن يقال إنهم مع ضلالهم الشديد، سعوا في الإضلال ومنع الناس عن الدين الحق، فلهذا المعنى حصل هذا التضعيف عليهم.

السابقالتالي
2 3