الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة { يَأْتِ } بحذف الياء والباقون بإثبات الياء. قال صاحب «الكشاف»: وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل، ونحوه قولهم لا أدر حكاه الخليل وسيبويه. المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»: فاعل يأتي هو الله تعالى كقوله:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 210] وقوله:أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } [الأنعام: 158] ويعضده قراءة من قرأ { وَمَا يؤخره } بالياء أقول لا يعجبني هذا التأويل، لأن قوله: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } حكاه الله تعالى عن أقوام والظاهر أنهم هم اليهود، وذلك ليس فيه حجة وكذا قوله: { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } أما ههنا فهو صريح كلام الله تعالى وإسناد فعل الإتيان إليه مشكل. فإن قالوا: فما قولك في قوله تعالى: { وَجَاء رَبُّكَ }. قلنا: هناك تأويلات، وأيضاً فهو صريح، فلا يمكن دفعه فوجب الامتناع منه بل الواجب أن يقال: المراد منه يوم يأتي الشيء المهيب الهائل المستعظم، فحذف الله تعالى ذكره بتعيينه ليكون أقوى في التخويف. المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»: العامل في انتصاب الظرف هو قوله: { لاَ تَكَلَّمُ } أو إضمار اذكر. أما قوله: { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ففيه حذف، والتقدير: لا تكلم نفس فيه إلا بإذن الله تعالى. فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين سائر الآيات التي توهم كونها مناقضة لهذه الآية منها قوله تعالى:يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا } [النحل: 111] ومنها أنهم يكذبون ويحلفون بالله عليه وهو قولهم:وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] ومنها قوله تعالى:وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤلون } [الصافات: 24] ومنها قوله:هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يؤذن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 35]. والجواب من وجهين: الأول: أنه حيث ورد المنع من الكلام فهو محمول على الجوابات الحقية الصحيحة. الثاني: أن ذلك اليوم يوم طويل وله مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم. أما قوله: { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف»: الضمير في قوله: { فَمِنْهُمْ } لأهل الموقف ولم يذكر لأنه معلوم ولأن قوله: { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } يدل عليه لأنه قد مر ذكر الناس في قوله:مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } [هود: 103]. المسألة الثانية: قوله: { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } يدل ظاهره على أن أهل الموقف لا يخرجون عن هذين القسمين. فإن قيل: أليس في الناس مجانين وأطفال وهم خارجون عن هذين القسمين؟ قلنا: المراد من يحشر ممن أطلق للحساب وهم لا يخرجون عن هذين القسمين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8