الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ }

ثم قال تعالى: { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: اتفقوا على أن جواب لو محذوف، وأنه ليس قوله: { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } جواب لو ويدل عليه وجهان أحدهما: أن ما كان جواب لو فنفيه إثبات، وإثباته نفي، فلو كان قوله: { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } جواباً للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية، وذلك باطل، فإن هذه الرؤية واقعة قطعاً، فإن قيل: المراد من هذه الرؤية رؤيتها بالقلب في الدنيا، ثم إن هذه الرؤية غير واقعة قلنا: ترك الظاهر خلاف الأصل والثاني: أن قوله:ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [التكاثر: 8] إخبار عن أمر سيقع قطعاً، فعطفه على مالا يوجد ولا يقع قبيح في النظم، واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن، يقول الرجل للرجل: لو فعلت هذا أي لكان كذا، قال الله تعالى:لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } [الأنبياء: 39] ولم يجيء له جواب وقال:وَلَوْ تَرَى إِذ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } [الأنعام: 30] إذا عرفت هذا فنقول: ذكروا في جواب لو وجوهاً أحدها: قال الأخفش: لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر وثانيها: قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وثالثها: أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم، وكأنه قال: لو علمتم علم اليقين لفعلتم مالا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال وجهلة، وأما قوله: { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } فاللام يدل على أنه جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدا به مما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفاً بثم تغليظاً للتهديد وزيادة في التهويل. المسألة الثانية: أنه تعالى أعاد لفظ كلا وهو للزجر، وإنما حسنت الإعادة لأنه عقبه في كل موضع بغير ما عقب به الموضع الآخر، كأنه تعالى قال: لا تفعلوا هذا فإنكم تستحقون به من العذاب كذا لا تفعلوا هذا فإنكم تستوجبون به ضرراً آخر، وهذا التكرير ليس بالمكروه بل هو مرضي عندهم، وكان الحسن رحمه الله يجعل معنى { كَلاَّ } في هذا الموضع بمعنى حقاً كأنه قيل حقاً: لو تعلمون علم اليقين. المسألة الثالثة: في قوله: { عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } وجهان أحدهما: أن معناه علماً يقيناً فأضيف الموصوف إلى الصفة، كقوله تعالى:وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ } [يوسف: 109] وكما يقال: مسجد الجامع وعام الأول والثاني: أن اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة، وقد سمي الموت يقيناً في قوله:وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99] ولأنهما إذا وقعا جاء اليقين، وزال الشك فالمعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة لم يلهكم التكاثر والتفاخر عن ذكر الله، وقد يقول الإنسان: أنا أعلم علم كذا أي أتحققه، وفلان يعلم علم الطب وعلم الحساب، لأن العلوم أنواع فيصلح لذلك أن يقال: علمت علم كذا.

السابقالتالي
2 3