الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن هذا نوع آخر من شرح فضائح أولئك الكفار، فالضمير في قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } عائد إلى المذكور السابق، وذلك هو قوله:وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } [يونس: 27] فلما وصف الله هؤلاء الذين يحشرهم بالشرك والكفر، دل على أن المراد من قوله: { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ } الكفار، وحاصل الكلام: أنه تعالى يحشر العابد والمعبود، ثم إن المعبود يتبرأ من العابد، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته، والمقصود منه أن القوم كانوا يقولون:هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] فبين الله تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار، بل يتبرؤن منهم، وذلك يدل على نهاية الخزي والنكال في حق هؤلاء الكفار، ونظيره آيات منها قوله تعالى:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } [البقرة: 166] ومنها قوله تعالى:ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [سبأ: 40،41]. واعلم أن هذا الكلام يشير على سبيل الرمز إلى دقيقة عقلية، وهي أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته، والممكن لذاته محتاج بحسب ماهيته، والشيء الواحد يمتنع أن يكون قابلاً وفاعلاً معاً، فما سوى الواحد الأحد الحق لا تأثير له في الإيجاد والتكوين، فالممكن المحدث لا يليق به أن يكون معبوداً لغيره، بل المعبود الحق ليس إلا الموجد الحق، وذلك ليس إلا الموجود الحق الذي هو واجب الوجود لذاته، فبراءة المعبود من العابدين، يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه. والله أعلم بمراده. المسألة الثانية: ٱلْحَشْرِ الجمع من كل جانب إلى موقف واحد و { جَمِيعاً } نصب على الحال أي نحشر الكل حال اجتماعهم. و { مَكَانَكُمْ } منصوب بإضمار الزموا. والتقدير: الزموا مكانكم و { أَنتُمْ } تأكيد للضمير { وَشُرَكَاؤُكُمْ } عطف عليه. واعلم أن قوله: { مَكَانَكُمْ } كلمة مختصة بالتهديد والوعيد والمراد أنه تعالى يقول للعابدين والمعبودين مكانكم أي الزموا مكانكم حتى تسألوا، ونظيره قوله تعالى:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولون } [الصافات: 22 ـ 24]. أما قوله: { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } ففيه بحثان: البحث الأول: أن هذه الكلمة جاءت على لفظ المضي بعد قوله: { ثُمَّ نَقُولُ } وهو منتظر، والسبب فيه أن الذي حكم الله فيه، بأن سيكون صار كالكائن الراهن الآن، ونظيره قوله تعالى:وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 44]. البحث الثاني: زيلنا فرقنا وميزنا. قال الفراء: قوله: { فَزَيَّلْنَا } ليس من أزلت، إنما هو من زلت إذا فرقت. تقول العرب: زلت الضأن من المعز فلم تزل.

السابقالتالي
2 3