الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ }

قوله جل جلاله { الر } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وعاصم { الر } بفتح الراء على التفخيم، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويحيى عن أبي بكر: بكسر الراء على الإمالة. وروي عن نافع وابن عامر وحماد عن عاصم، بين الفتح والكسر، واعلم أن كلها لغات صحيحة. قال الواحدي: الأصل ترك الإمالة في هذه الكلمات نحو ما ولا، لأن ألفاتها ليست منقلبة عن الياء، وأما من أمال فلأن هذه الألفاظ أسماء للحروف المخصوصة، فقصد بذكر الإمالة التنبيه على أنها أسماء لا حروف. المسألة الثانية: اتفقوا على أن قوله { الر } وحده ليس آية، واتفقوا على أن قولهطه } [طه:1] وحده آية. والفرق أن قوله: { الر } لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده بخلاف قوله: { طه } فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده.المسألة الثالثة: الكلام المستقصى في تفسير هذا النوع من الكلمات قد تقدم في أول سورة البقرة إلا أنا نذكر ههنا أيضاً بعض ما قيل. قال ابن عباس { الر } معناه أنا الله أرى. وقيل أنا الرب لا رب غيري. وقيل { الر } وحـم } [السجدة:1] ون } [القلم:1] اسم الرحمن. قوله تعالى: { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ } فيه مسألتان: المسألة الأولى: قوله: { تِلْكَ } يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، وأيضاً فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي منه نسخ كل كتاب، كما قال تعالى:إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ فِى كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ } [الواقعة: 77، 78] وقال تعالى:بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [البروج: 22] وقال:وَإِنَّهُ فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] وقال:يَمْحُوْا ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } [الرعد: 39]. وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل ههنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات: الاحتمال الأول: أن يقال: المراد من لفظة { تِلْكَ } الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة، فكان التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يغيره كرور الدهر، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة { الر } هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء. الاحتمال الثاني: أن يقال: المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله. واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا: { تِلْكَ } إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال، وهو أن { تِلْكَ } يشار بها إلى الغائب، وآيات هذه السورة حاضرة، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ { تِلْكَ }.

السابقالتالي
2