الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ }

{ كَيْفَ } استفهام في معنى الاستنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أضداد وغرة صدورهم، يعني محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا في قتلهم. ثم استدرك ذلك بقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتُمْ } أي ولكن الذين عاهدتم منهم { عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة، فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم { فَمَا ٱسْتَقَـٰمُواْ لَكُمْ } على العهد { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } على مثله { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } يعني أن التربص بهم من أعمال المتقين { كَيْفَ } تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل لكونه معلوماً كما قال
وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ بِالْقُرَى فَكَيْف وَهَاتَا هَضْبَة وَقَليبُ   
يريد فكيف مات. أي كيف يكون لهم عهد { و } حالهم أنهم { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ } لا يراعوا حلفاً. وقيل قرابة. وأنشد لحسان رضي الله عنه
لَعَمْرُكَ إنَّ إلَّكَ مِنْ قُرَيْش كَإلِّ السَّقْبِ مِنْ رَأَلِ النَّعَامِ   
وقيل { إِلاًّ } إلٰهاً وقرىء «إيلا»، بمعناه وقيل جبرئيل، وجبرئل، من ذلك. وقيل منه اشتق الآل بمعنى القرابة، كما اشتقت الرحم من الرحمٰن، والوجه ان اشتقاق الإلّ بمعنى الحلف، لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه، من الأل وهو الجؤار، وله أليل أي أنين يرفع به صوته. ودعت ألليها إذا ولولت، ثم قيل لكل عهد وميثاق إلّ. وسميت به القرابة، لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق { يُرْضُونَكُم } كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن، مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد. وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل { وَأَكْثَرُهُمْ فَـٰسِقُونَ } متمرّدون خلعاء لا مروءة تزعهم، ولا شمائل مرضية تردعهم، كما يوجد ذلك في بعض الكفرة، من التفادي عن الكذب والنكث، والتعفف عما يثلم العرض ويجرّ أحدوثة السوء.