الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

العرض ما عرض لك من منافع الدنيا. يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، أي لو كان ما دعوا إليه غنماً قريباً سهل المنال { وَسَفَرًا قَاصِدًا } وسطاً مقارباً { ٱلشُّقَّةُ } المسافة الشاقّة. وقرأ عيسى بن عمر «بعدت عليهم الشقة» بكسر العين والشين ومنه قوله
يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَه وَلاَ بُعْدَ إلاَّ مَا تُوَارِي الصَّفَائِحُ   
{ بِٱللَّهِ } متعلق بسيحلفون، أو هو من جملة كلامهم. والقول مراد في الوجهين، أي سيحلفون بعني المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أو سيحلفون بالله ويقولون لو استطعنا، وقوله { لَخَرَجْنَا } سدّ مسدّ جوابي القسم ولو جميعاً، والإخبار بما سوف يكون بعد القفول من حلفهم واعتذارهم. وقد كان من جملة المعجزات. ومعنى الاستطاعة استطاعة العدّة، أو استطاعة الأبدان، كأنهم تمارضوا. وقرىء «لو استطعنا»، بضم الواو تشبيهاً لها بواو الجمع في قولهفَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } البقرة 94. { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } إما أن يكون بدلاً من سيحلفون، أو حالاً بمعنى مهلكين. والمعنى أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب وما يحلفون عليه من التخلف. ويحتمل أن يكون حالاً من قوله { لَخَرَجْنَا } أي لخرجنا معكم، وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها من المسير في تلك الشقة. وجاء به على لفظ الغائب، لأنه مخبر عنهم. ألا ترى أنه لو قيل سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا، لكان سديداً، يقال حلف بالله ليفعلنّ ولأفعلنّ، فالغيبة على حكم الإخبار، والتكلم على الحكاية.