الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا متذممين نادمين، وكانوا ثلاثة أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام. وقيل 488 كانوا عشرة، فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المسجد فصلى ركعتين - وكانت عادته صلى الله عليه وسلم كلما قدم من سفر -فرآهم موثقين، فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم، فقال وأنا أقسم أن لا أحلّهم حتى أومر فيهم، فنزلت، فأطلقهم وعذرهم، فقالوا يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فنزلت خذ من أموالهم { عَمَلاً صَـٰلِحاً } خروجاً إلى الجهاد { وَءَاخَرَ سَيِّئاً } تخلفاً عنه. عن الحسن وعن الكلبي التوبة والإثم. فإن قلت قد جعل كل واحد منهما مخلوطاً فما المخلوط به؟ قلت كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به لأنّ المعنى خلط كل واحد منهما الآخر، كقولك خلطت الماء واللبن، تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه. وفيه ما ليس في قولك خلطت الماء باللبن لأنّك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما، كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، ويجوز أن يكون من قولهم بعت الشاة شاة ودرهماً، بمعنى شاة بدرهم. فإن قلت كيف قيل { أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } وما ذكرت توبتهم؟ قلت إذا ذكر اعترافهم بذنوبهم، وهو دليل على التوبة، فقد ذكرت توبتهم.