الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

وقرىء «للنبي»، على التعريف وأسارى. ويثخن، بالتشديد. ومعنى الإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه، من قولهم أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة. وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة، يعني حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر. ثم الأسر بعد ذلك. ومعنى { مَا كَانَ } ما صح له وما استقام، وكان هذا يوم بدر، فلما كثر المسلمون نزلفَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } محمد 4 وروي 432 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل بن أبي طالب، فاستشار أبا بكر رضي الله عنه فيهم فقال قومك وأهلك استبقهم لعلّ الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك. وقال عمر رضي الله عنه كذبوك وأخرجوك فقدّمهم واضرب أعناقهم، فإنّ هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان لنسيب له، فلنضرب أعناقهم. فقال صلى الله عليه وسلم " إنّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال " فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إبراهيم 36 " ومثلك يا عمر مثل نوح، قال " رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاْرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } نوح 26 ثم قال لأصحابه " أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق " وروي أنه قال لهم 433 إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم، واستشهد منكم بعدّتهم، فقالوا بل نأخذ الفداء، فاستشهدوا بأحد، وكان فداء الأسارى عشرين أوقية، وفداء العباس أربعين أوقية. وعن محمد بن سيرين كان فداؤهم مائة أوقية، والأوقية أربعون درهماً وستة دنانير. وروي 434 أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية، فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه - وروى أنه قال 435 لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ، رضي الله عنهما، لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ { عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } حطامها، سمى بذلك لأنه حدث قليل اللبث، يريد الفداء { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلأَخِرَةَ } يعني ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل وقرىء «يريدون»، بالياء وقرأ بعضهم «والله يريد الآخرة» بجرّ الآخرة على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله كقوله

السابقالتالي
2