الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ }

{ كَلاَّ } ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل ارتدعوا عن ذلك، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين. والضمير في { بَلَغَتِ } للنفس وإن لم يجر لها ذكر، لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها، كما قال حاتم
أَمَاوِيَّ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ   
وتقول العرب أرسلت، يريدون جاء المطر، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء { ٱلتَّرَاقِىَ } العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال. ذكرهم صعوبة الموت الذي هو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها وقال حاضروا صاحبها - وهو المحتضر - بعضهم لبعض { مَنْ رَاقٍ } أيكم يرقيه مما به؟ وقيل هو كلام ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه؟ ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ { وَظَنَّ } المحتضر { أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أنّ هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة { وَٱلْتَفَّتِ } ساقه بساقه والتوت عليها عند علز الموت. وعن قتادة ماتت رجلاه فلا تحملانه، وقد كان عليهما جوّالاً. وقيل شدّة فراق الدنيا بشدّة إقبال الآخرة، على أن الساق مثل في الشدّة. وعن سعيد بن المسيب هما ساقاه حين تلفان في أكفانه { ٱلْمَسَاقُ } أي يساق إلى الله وإلى حكمه.