الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

{ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم، و { لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } بدل من الذين استضعفوا. فإن قلت الضمير في منهم راجع إلى ماذا؟ قلت إلى { قَوْمِهِ } أو إلى { ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ }. فإن قلت هل لاختلاف المرجعين أثر في اختلاف المعنى؟ قلت نعم وذلك أن الراجع إذا رجع إلى قومه فقد جعل { مَنْ ءامَنَ } مفسراً لمن استضعف منهم، فدل أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين، وإذا رجع إلى الذين استضعفوا لم يكن الاستضعاف مقصوراً عليهم، ودلّ أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ } شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية، كما تقول للمجسمة أتعلمون أن الله فوق العرش. فإن قلت كيف صحّ قولهم { إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } جواباً عنه؟ قلت سألوهم عن العلم بإرساله، فجعلوا إرساله أمراً معلوماً مكشوفاً مسلماً لا يدخله ريب، كأنهم قالوا العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به، فنخبركم أنا به مؤمنون، ولذلك كان جواب الكفرة { إِنَّا بِٱلَّذِى ءَامَنْتُمْ بِهِ كَٰفِرُونَ } فوضعوا { ءَامَنتُم بِهِ } موضع { أُرْسِلَ بِهِ } رداً لما جعله المؤمنون معلوماً وأخذوه مسلماً { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلاّ بعضهم، وقد يقال للقبيلة الضخمة أنتم فعلتم كذا، وما فعله إلاّ واحداً منهم { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاتين، وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قولهفَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } الأعراف 73 أو شأن ربهم وهو دينه. ويجوز أن يكون المعنى وصدر عتوّهم عن أمر ربهم، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم. ونحو عن هذه ما في قولهوَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى } الكهف 82، { ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } أرادوا من العذاب. وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوماً. واستعجالهم له لتكذيبهم به، ولذلك علقوه بما هم به كافرون، وهو كونه من المرسلين { ٱلرَّجْفَةُ } الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها { فِي دَارِهِمْ } في بلادهم أو في مساكنهم { جَـٰثِمِينَ } هامدين لا يتحركون موتى. يقال الناس جثم، أي قعود لا حراك بهم ولا ينبسون نبسة. ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها، وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى. وعن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحجر قال 394 " لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فأخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم إلاّ رجل واحد كان في حرم الله. قالوا من هو؟ قال ذاك أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه "

السابقالتالي
2