الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

{ مِن ظُهُورِهِمْ } بدل من بني آدم بدل البعض من الكل. ومعنى أخذ ذرّياتهم من ظهورهم إخراجهم من أصلابهم نسلاً وإشهادهم على أنفسهم. قوله { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } من باب التمثيل والتخييل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!ٰ ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك. وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام، وفي كلام العرب. ونظيره قوله تعالىإِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } النحل 40،فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت 11 وقوله
إِذْ قَالَتِ الأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِ   
قَالَتْ لَهُ رِيحُ الصَّبَا قَرْقَارِ   
ومعلوم أنه لا قول ثَمَّ، وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى { وأَن تَقُولُواْ } مفعول له، أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول، كراهة { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ } لم ننبه عليه { أو } كراهة { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذرية من بعدهم } فاقتدينا بهم، لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء. كما لا عذر لآبائهم في الشرك - وأدلة التوحيد منصوبة لهم - فإن قلت بنو آدم وذرّياتهم من هم؟ قلت عنى ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله، حيث قالوا عزير ابن الله. وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم. والدليل على أنها من المشركين وأولادهم قوله { أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها هي، والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها، وذلك قولهوَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ } الأعراف 163،وإِذْ قَالَتِ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ } الأعراف 164،وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } الأعراف 167،وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } الأعراف 171.وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا } الأعراف 175. { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك، وتقدّمهم فيه، وتركه سنة لنا { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التفصيل البليغ { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } لهم { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها. وقرىء «ذريتهم» على التوحيد. وأن يقولوا بالياء.