الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

إنا بلونا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم { كَمَا بَلَوْنَاۤ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } وهم قوم من أهل الصلاة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين، فكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل، وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف من العنب، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير، فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خفية عن المساكين، ولم يستثنوا في يمينهم، فأحرق الله جنتهم. وقيل كانوا من بني إسرائيل { مُصْبِحِينَ } داخلين في الصبح مبكرين { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ 18 } ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت لم سمي استثناء، وإنما هو شرط؟ قلت لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء، من حيث إن معنى قولك لأخرجنّ إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله. واحد { فَطَافَ عَلَيْهَا } بلاء أو هلاك { طَآئِفٌ } كقوله تعالىوَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } الكهف 42 وقرىء «طيف» { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ 20 } كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل الصريم الليل، أي. احترقت فاسودت. وقيل النهار أي يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها، من قولهم بيض الإناء، إذا فرغه. وقيل الصريم الرمال { صَـٰرِمِينَ } حاصدين. فإن قلت هلا قيل اغدوا إلى حرثكم وما معنى على؟ قلت لما كان الغدوّ إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوّا عليه، كما تقول غداً عليهم العدوّ. ويجوز أن يضمن الغدوّ معنى الإقبال، كقولهم يفدى عليه بالجفنة ويراح، أي فأقبلوا على حرثكم باكرين { يَتَخَـٰفَتُونَ } يتسارّون فيما بينهم. وخفى، وخفت، وخفد ثلاثتها في معنى الكتم ومنه الخفدود للخفاش { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا } أن مفسرة. وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول، أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها والنهي عن الدخول للمسكين نهي لهم عن تمكينه منه، أي لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل كقولك لا أرينك ههنا. الحرد من حردت السنة إذا منعت خيرها وحردت الإبل إذا منعت درّها. والمعنىّ وغدوا قادرين على نكد، لا غير عاجزين عن النفع، يعني أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة. أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين، بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها، أي غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد.

السابقالتالي
2