الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

{ قَبْلَهُمْ } قبل أهل مكة { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } يعني نوحاً. فإن قلت ما معنى قوله تعالى { فَكَذَّبُواْ } بعد قوله { كَذَّبَتْ }؟ قلت معناه كذبوا فكذبوا عبدنا أي كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب. أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا، أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوّة رأساً، كذبوا نوحًا لأنه من جملة الرسل { مَّجْنُونٍ } هو مجنون { وَٱزْدُجِرَ } وانتهروه بالشتم والضرب والوعيد بالرجم في قولهملَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُرْجُومِينَ } الشعراء 116 وقيل هو من جملة قيلهم، أي قالوا هو مجنون، وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه وطارت بقلبه. قرىء «أني» بمعنى فدعا بأني مغلوب، وإني على إرادة القول، فدعا فقال إني مغلوب غلبني قومي، فلم يسمعوا مني واستحكم اليأس من إجابتهم لي { فَٱنتَصِرْ } فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وإنما دعا بذلك بعد ما طم عليه الأمروبلغ السيل الزُّبا، فقد روى أنّ الواحد من أمّته كان يلقاه فيخنقه حتى يخرّ مغشياً عليه. فيفيق وهو يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وقرىء «ففتحنا» مخففاً ومشدّداً، وكذلك وفجرنا { مُّنْهَمِرٍ } منصبّ في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً { وَفَجَّرْنَا ٱلاْرْضَ عُيُوناً } وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك وفجرنا عيون الأرض ونظيره في النظموَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } مريم 4. { فَالْتَقَى ٱلمَاءُ } يعني مياه السماء والأرض. وقرىء «الماآن»، أي النوعان من الماء السماوي والأرضي. ونحوه قولك عندي تمران، تريد ضربان من التمر برني ومعقلي. قال
لَنَا إبْلاَنِ فِيهِمَا مَا علمْتُمُ   
وقرأ الحسن «الماوان»، بقلب الهمزة واواً، كقولهم علباوان { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } على حال قدرها الله كيف شاء. وقيل على حال جاءت مقدّرة مستوية وهي أن قدر ما أنزل من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل على أمر قد قدر في اللوح أنه يكون، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان { عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ } أراد السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتودي مؤداها. بحيث لا يفصل بينها وبينها. ونحوه
......... وَلَـكِنْ قمِيصِي مَسْرُودَةٌ مِنْ حَدِيدِ   
أراد ولكن قميصي درع، وكذلك
وَلَوْ فِي عُيُونِ النَّازِيَاتِ بِأَكْرُعِ   
أراد ولو في عيون الجراد. ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة، أو بين الدرع والجراد وهاتين الصفتين لم يصح، وهذا من فصيح الكلام وبديعه. والدسر جمع دسار وهو المسمار، فعال من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه { جَزآءً } مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده، أي فعلنا ذلك جزاء، { لّمَن كَانَ كُفِرَ } وهو نوح عليه السلام، وجعله مكفوراً لأنّ النبي نعمة من الله ورحمة.

السابقالتالي
2