الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }

الوسوسة الصوت الخفي. ومنها وسواس الحلى. ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس. والباء مثلها في قولك صوت بكذا وهمس به. ويجوز أن تكون للتعدية والضمير للإنسان، أي ما تجعله موسوساً، وما مصدرية، لأنهم يقولون حدّث نفسه بكذا، كما يقولون حدثته به نفسه. قال
وَاكْذِبِ النَّفْسَ إِذَا حَدَّثْتَهَا   
{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } مجاز، والمراد قرب علمه منه، وأنه يتعلق بمعلومه منه ومن أحواله تعلقاً لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأنه ذاته قريبة منه، كما يقال الله في كل مكان، وقد جل عن الأمكنة. وحبل الوريد مثل في فرط القرب، كقولهم هو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار. وقال ذو الرمة
وَالْمَوْتُ أَدْنَى لي مِنَ الْوَرِيدِ   
والحبل العرق، شبه بواحد الحبال، ألا ترى إلى قوله
كَأَنْ وَرِيدَيْهِ رشاءا خُلُبِ   
والوريدان عرقان مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمهما متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه. وقيل سمي وريداً لأنّ الروح ترده. فإن قلت ما وجه إضافة الحبل إلى الوريد، والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ قلت فيه وجهان، أحدهما أن تكون الإضافة للبيان، كقولهم بعير سانية. والثاني أن يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد» كما لو قيل حبل العلياء مثلاً.