الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قفيته مثل عقبته، إذا اتبعته ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به، فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء، فإن قلت فأين المفعول الأول في الآية؟ قلت هو محذوف والظرف الذي هو { عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ } كالسَّادِّ مسدّه لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه، والضمير في آثارهم للنبيين في قوله { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ }. وقرأ الحسن الأَنجيل بفتح الهمزة فإن صحّ عنه فلأنه أعجمي خرج لعجمته عن زِناتِ العربية، كما خرج هابيل وآجر { وَمُصَدّقًا } عطف على محل { فِيهِ هُدًى } ومحله النصب على الحال { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } يجوز أن ينتصبا على الحال. كقوله { مُصَدّقاً } وأن ينتصبا مفعولاً لهما، كقوله { وَلْيَحْكُمْ } كأنه قيل. وللهدى والموعظة آتيناه الإنجيل، وللحكم بما أنزل الله فيه من الأحكام. فإن قلت فإن نظمت { هُدًى وَمَوْعِظَةً } في سلك مصدقاً، فما تصنع بقوله وليحكم قلت اصنع به ما صنعت بهدى وموعظة حين جعلتهما مفعولاً لهما، فأقدّر وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه. وقرىء «وَلْيحكُمْ» على لفظ الأمر بمعنى وقلنا ليحكم. وروي في قراءة أبيّ «وأن ليحكم»، بزيادة أن مع الأمر على أنّ أن موصولة بالأمر، كقولك أمرته بأن قم كأنه قيل وآتيناه الأنجيل وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل. وقيل إن عيسى عليه السلام كان متعبداً بما في التوراة من الأحكام لأن الإنجيل مواعظ وزواجر والأحكام فيه قليلة. وظاهر قوله { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } يردّ ذلك، وكذلك قولهلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } المائدة 48 وإن ساغ لقائل أن يقول معناه وليحكموا بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة.