الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدأ الذي هو { شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ } على تقدير شهادة بينكم شهادة اثنين. أو على أنه فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان وقرأ الشعبي. «شهادة بينكم» بالتنوين. وقرأ الحسن «شهادة»، بالنصب والتنوين على ليقم شهادة اثنان. و { إِذَا حَضَرَ } ظرف للشهادة. و { حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ } بدل منه، إبداله منه دليل على وجوب الوصية، وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلم ويذهل عنها. وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل { مِّنْكُمْ } من أقاربكم. و { مِنْ غَيْرِكُمْ } من الأجانب { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية، جعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وما هو أصلح وهم له أنصح. وقيل { منكم } من المسلمين، و { مِنْ غَيْرِكُمْ } من أهل الذمة. وقيل هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم، وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر. وعن مكحول نسخها قوله تعالى { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } وروي 369 أنه خرج بُديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين، مع عدي بن زيد وتميم بن أوس - وكانا نصرانيين - تجاراً إلى الشام، فمرض بديل وكتب كتاباً فيه ما معه، وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه، وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله. ومات ففتشا متاعه، فأخذا إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشاً بالذهب، فغيباه، فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء، فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت { تَحْبِسُونَهُمَا } تقفونهما وتصبرونهما للحلف { مِنْ بَعْدِٱلصَّلَٰوةِ } من بعد صلاة العصر، لأن وقت اجتماع الناس. وعن الحسن بعد صلاة العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما. وفي حديث بديل أنها لما نزلت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعديّ وتميم فاستحلفهما عند المنبر، فحلفا، ثم وجد الإناء بمكة، فقالوا إنا اشتريناه من تميم وعدي. وقيل هي صلاة أهل الذمّة، وهم يعظمون صلاة العصر { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } اعتراض بين القسم والمقسم عليه. والمعنى إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما. وقيل إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما. وعن عليّ رضي الله عنه أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما والضمير في { بِهِ } للقسم. وفي { كَانَ } للمقسم له يعني لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضاً من الدنيا، أي لا نحلف كاذبين لأجل المال، ولو كان من نقسم له قريباً منا، على معنى أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبداً، وأنهم داخلون تحت قوله تعالى

السابقالتالي
2