الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته جعله منه في جانب، فيعدى إلى مفعولين. قال الله عز وجلوَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلاْصْنَامَ } إبراهيم 35 ثم يقال في مطاوعه اجتنب الشر فتنقص المطاوعة مفعولاً. والمأمور باجتنابه هو بعض الظن، وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ }؟ فإن قلت بَيِّن الفصل بيْنَ { كَثِيراً } ، حيث جاء نكرة وبينه لو جاء معرفة. قلت مجيئه نكرة يفيد معنى البعضية، وإنّ في الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تبيين لذلك ولا تعيين. لئلا يجترىء أحد على ظنّ إلا بعد نظر وتأمّل، وتمييز بين حقه وباطله بأمارة بينة، مع استشعار للتقوى والحذر ولو عرف لكان الأمر باجتناب الظنّ منوطاً بما يكثر من دون ما يقل، ووجب أن يكون كل ظنّ متصف بالكثرة مجتنباً، وما اتصف منه بالقلة مرخصاً في تظننه. والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أنّ كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظنّ الفساد والخيانة به محرّم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. عن النبي صلى الله عليه وسلم 1074 " إن الله تعالى حرّم من المسلم دمه وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء " وعن الحسن كنا في زمان الظنُّ بالناس حرام، وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت، وظنّ بالناس ما شئت. وعنه لا حرمة لفاجر. وعنه إن الفاسق إذا أظهر فسقه وهتك ستره هتكه الله، وإذا استتر لم يظهر الله عليه لعله أن يتوب. وقد روي 1075 من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له. والإثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب. ومنه قيل لعقوبته الأثام، فعال منه كالنكال والعذاب والوبال، قال
لَقَدْ فَعَلَتْ هٰذِي النَّوَى بِيَ فَعْلَة أَصَابَ النَّوَى قَبْلَ المَمَاتِ أَثَامُهَا   
والهمزة فيه عن الواو، كأنه يثم الأعمال أي يكسرها بإحباطه. وقرىء «ولا تحسسوا» بالحاء والمعنيان متقاربان. يقال تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه تفعل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس، لما في اللمس من الطلب. وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالىوَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاء } الجن8 والتحسس التعرّف من الحس، ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه. وعن مجاهد. خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله. وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1076 أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهنّ. قال " يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته "

السابقالتالي
2