الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

الأفاك الكذاب، والأثيم المتبالغ في اقتراف الآثام { يُصِرُّ } يقبل على كفره ويقيم عليه. وأصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحى عليها صارّاً أذنيه { مُسْتَكْبِراً } عن الإيمان بالآيات والإذعان لما ينطق به من الحق، مزدرياً لها معجباً بما عنده. قيل نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن. والآية عامّة في كل ما كان مضارّاً لدين الله. فإن قلت ما معنى ثم في قوله { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً }؟ قلت كمعناه في قول القائل
يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُها   
وذلك أنّ غمرات الموت حقيقة، بأن ينجو رائيها بنفسه ويطلب الفرار عنها. وأمّا زيارتها والإقدام على مزاولتها. فأمر مستبعد، فمعنى ثم الإيذان بأن فعل المقدّم عليها بعدما رآها وعاينها شيء يستعبد في العادات والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق، من تليت عليه وسمعها كان مستبعداً في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها { كَأَن } مخففة، والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن، كما في قوله
كَأَنْ ظَبْيَةً تعطو إِلَى نَاضِرِ السَّلَمْ   
ومحل الجملة النصب على الحال. أي يصر مثل غير السامع { وَإِذَا } بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها { ٱتَّخَذَهَا } أي اتخذ الآيات { هُزُواً } ولم يقل اتخذه، للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويحتمل وإذا علم من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملاً يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله هزواً، وذلك نحو افتراص ابن الزبعري قوله عز وجلإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الأنبياء 98 ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله خصتمك. ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية
نَفْسِي بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مُعَلَّقَةٌ أللَّهُ وَالْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ يَكْفِيَهَا   
حيث أراد عتبة. وقرىء «علم أولئك» إشارة إلى كل أفاك أثيم، لشموله الأفاكين. والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام. قال
أَلَيْسَ وَرَائِي أَنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي أَدِبُّ مَعَ الْوِلْدَانِ أَزْحَفُ كَالنَّسْرِ   
ومنه قوله عز وجل { مِّن وَرَائِهِمْ } أي من قدّامهم { مَّا كَسَبُواْ } من الأموال في رحلهم ومتاجرهم { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان.