الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

1005 لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريشإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الأنبياء 98 امتعضوا من ذلك امتعاضاً شديداً، فقال عبد الله بن الزبعرىُ يا محمد، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " ، فقال خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أنّ عيسى ابن مريم نبيّ وتثنى عليه خيراً وعلى أمه، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما. وعزير يعبد. والملائكة يعبدون، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا وضحكوا، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى ونزلت هذه الآية. والمعنى ولما ضرب عبد الله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلاً، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه { إِذَا قَوْمُكَ } قريش من هذا المثل { يَصِدُّونَ } ترتفع لهم جلبة وضجيج فرحاً وجزلاً وضحكاً بما سمعوا منه من إسكات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجدله، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعيّوا بحجة ثم فتحت عليهم. وأمّا من قرأ «يصدّون» بالضم ـــ فمن الصدود، أي من أجل هذا المثل يصدّون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل من الصديد وهو الجلبة، وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف ونظائر لهما { وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعنون أنّ آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، إذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هيناً { مَا ضَرَبُوهُ } أي ما ضربوا هذا المثل { لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } إلا لأجل الجدل والغلبة في القول، لا لطلب الميز بين الحق والباطل { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } لدّ شداد الخصومة دأبهم اللجاج، كقوله تعالىقَوْماً لُّدّاً } مريم 97 وذلك أنّ قوله تعالىإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الأنبياء 98 ما أريد به إلا الأصنام، وكذلك قوله عليه السلام " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " إنما قصد به الأصنام، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة، إلا أن ابن الزبعري بخبه وخداعه وخُبْثِ دُخْلَتِه لما رأى كلام الله ورسوله محتملاً لفظه وجه العموم، مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير، وجد للحيلة مساغاً، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريقة المحك والجدال وحب المغالبة والمكابرة، وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربهإِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } الأنبياء 101 فدل به على أنّ الآية خاصة في الأصنام، على أنّ ظاهر قوله وما تعبدون لغير العقلاء. وقيل لما سمعوا قوله تعالىإِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ }

السابقالتالي
2