الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } يعني أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز، من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض. ومنه قول الحجاج ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقال طرفة
اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِفَهَا ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ   
والفاء للعطف على محذوف، تقديره أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم على إنزاله الكتاب. وخلقه قرآناً عربياً ليعقلوه ويعملوا بمواجبه. وصفحاً على وجهين. إما مصدر من صفح عنه إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له، على معنى أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم. وإمّا بمعنى الجانب من قولهم نظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه، على معنى أفننحيه عنكم جانباً، فينتصب على الظرف كما تقول ضعه جانباً، وامش جانباً. وتعضده قراءة من قرأ «صفحاً» بالضم. وفي هذه القراءة وجه آخر وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أي صافحين معرضين { إِن كُنتُمْ } أي لأن كنتم. وقرىء «أَن كنتم» وإذ كنتم. فإن قلت كيف استقام معنى إن الشرطية، وقد كانوا مسرفين على البتّ؟ قلت هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر، المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه استجهالاً له.