الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

{ لِبُيُوتِهِمْ } بدل اشتمال من قوله { لِمَن يَكْفُرُ } ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك وهبت له ثوباً لقميصه. وقرىء «سقفاً» بفتح السين وسكون القاف. وبضمها وسكون القاف وبضمها جمع سقف، كرهن ورهن ورهن. وعن الفراء جمع سقيفة وسقفاً بفتحتين، كأنه لغة في سقف وسقوفاً، ومعارج ومعاريج. والمعارج جمع معرج، أو اسم جمع لمعراج وهي المصاعد إلى العلالي { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } أي على المعارج، يظهرون السطوح يعلونها، فما اسطاعوا أن يظهروه. وسرراً، بفتح الراء لاستثقال الضمتين مع حرفي التضعيف { لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ } اللام هي الفارقة بين إن المحففة والنافية. وقرىء بكسر اللام، أي للذي هو متاع الحياة، كقوله تعالىمَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } البقرة 26 ولما بالتشديد بمعنى إلا، وإن نافية. وقرىء «إلا» وقرىء وما كل ذلك إلا. لما قالخَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } الزخرف 32 فقلل أمر الدنيا وصغرها أردفه ما يقرّر قلة الدنيا عنده من قوله { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } أي ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه، لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة وزخرف، وجعلنا لهم زخرفاً، أي زينة من كل شيء. والزخرف الزينة والذهب. ويجوز أن يكون الأصل سقفاً من فضة وزخرف، يعني بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفاً على محل { مِن فِضَّةٍ } وفي معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم 1003 " لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء " فإن قلت فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدّي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت التوسعة عليهم مفسدة أيضاً لما تؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبر حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء، وغلب الفقر على الغنى.