الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قرىء «براء» بفتح الباء وضمها. وبرىء، فبرىء وبراء، نحو كريم وكرام وبراء مصدر كظماء، ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة، والمذكر والمؤنث. يقال نحن البراء منك، والخلاء منك { ٱلَّذِى فَطَرَنِى } فيه غير وجه أن يكون منصوباً على أنه استثناء منقطع، كأنه قال لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، وأن يكون مجروراً بدلاً من المجرور بمن كأنه قال إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. فإن قلت كيف تجعله بدلاً وليس من جنس ما يعبدون من وجهين، أحدهما أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون. والثاني، أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟ قلت قالوا كانوا يعبدون الله مع أوثانهم، وأن تكون { إِلاَّ } صفة بمعنى غير، على أن { مَا } في ما تعبدون موصوفة. تقديره إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله تعالىلَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } الأنبياء 22. فإن قلت ما معنى قوله { سَيَهْدِينِ } على التسويف؟ قلت قال مرةفَهُوَ يَهْدِينِ } الشعراء 78 ومرة { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } فاجمع بينهما وقدّر، كأنه قال. فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال { وَجَعَلَهَا } وجعل إبراهيم صلوات الله عليه كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني { كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ } في ذريته، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. ونحوهوَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ } البقرة 132 وقيل وجعلها الله. وقرىء «كلمة» على التخفيف وفي عقبه كذلك، وفي عاقبه، أي فيمن عقبه، أي خلفه.