الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { عۤسۤقۤ } * { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما «حم سق» { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ } أي مثل ذلك الوحي. أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل { مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ } يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور، وأوحاه من قبلك إلى رسله، على معنى أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية، لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده من الأوّلين والآخرين، ولم يقل أوحي إليك ولكن على لفظ المضارع، ليدل على أن إيحاء مثله عادته. وقرىء «يوحى إليك» على البناء للمفعول. فإن قلت فما رافع اسم الله على هذه القراءة؟ قلت ما دلّ عليه يوحي، كأن قائلاً قال من الموحى؟ فقيل الله، كقراءة السلمىوَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } الأنعام137 على البناء للمفعول ورفع شركاؤهم، على معنى زينه لهم شركاؤهم. فإن قلت فما رافعه فيمن قرأ نوحى بالنون؟ قلت يرتفع بالابتداء. والعزيز وما بعده أخبار، أو العزيز الحكيم صفتان والظرف خبر. قرىء «تكاد» بالتاء والياء. وينفطرن، ويتفطرن. وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة «تتفطرن» بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روى في نوادر ابن الأعرابي الإبل تشممن. ومعناه يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه مجيئه بعد العلي العظيم. وقيل من دعائهم له ولداً، كقوله تعالىتَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } مريم 90. فإن قلت لم قال { مِن فَوْقِهِنَّ }؟ قلت لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السمٰوات، وهي العرش، والكرسي، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال { يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدىء الانفطار من جهتهنّ الفوقانية. أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السمٰوات، فكان القياس أن يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهنّ، ونظيره في المبالغة قوله عزّ وعلايُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ } الحج 19-20 فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة. وقيل من فوقهنّ من فوق الأرضين. فإن قلت كيف صح أن يستغفروا لمن في الأرض وفيهم الكفار أعداء الله؟ وقد قال الله تعالىأُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـئِكَةِ } البقرة 161 فكيف يكونون لاعنين مستغفرين لهم؟ قلت قوله { لِمَن فِى ٱلاْرْضِ } يدل على جنس أهل الأرض، وهذه الجنسية قائمة في كلهم وفي بعضهم فيجوز أن يراد به هذا وهذا.

السابقالتالي
2