الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

{ أَئِنَّكُمْ } بهمزتين الثانية بين بين. و «ءائنكم» بألف وبين همزتين { ذَلِكَ } الذي قدر على خلق الأرض في مدة يومين. هو { رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }...رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت. فإن قلت ما معنى قوله { مِنْ فَوْقِهَا } وهل اقتصر على قوله { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } كقوله تعالىوَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } المرسلات 27،وَجَعَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } الأنبياء 31،وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ } النمل 61؟ قلت لو كانت تحتها كالأساطين لها تستقر عليها، أو مركوزة فيها كالمسامير لمنعت من الميدان أيضاً، وإنما اختار إرساءها فوق الأرض، لتكون المنافع في الجبال معرضة لطالبيها، حاضرة محصليها، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها مفتقرة إلى ممسك لا بد لها منه، وهو ممسكها عزّ وعلا بقدرته { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } وأكثر خيرها وأنماه { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم. وفي قراءة ابن مسعود. وقسم فيها أقواتها { فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء } فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها، كأنه قال كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. قيل خلق الله الأرض في يوم الأحد ويوم الإثنين، وما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. وقال الزجاج في أربعة أيام في تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين. وقرىء «سواء» بالحركات الثلاث الجر على الوصف والنصب على استوت سواء، أي استواء والرفع على هي سواء. فإن قلت بم تعلق قوله { لّلسَّائِلِينَ }؟ قلت بمحذوف، كأنه قيل هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو يقدر أي قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين. وهذا الوجه الأخير لا يستقيم إلا على تفسير الزجاج. فإن قلت هلا قيل في يومين؟ وأي فائدة في هذه الفذلكة؟ قلت إذا قال في أربعة أيام وقد ذكر أن الأرض خلقت في يومين، علم أن ما فيها خلق في يومين، فبقيت المخايرة بين أن تقول في يومين وأن تقول في أربعة أيام سواء، فكانت في أربعة أيام سواء فائدة ليست في يومين، وهي الدلالة على أنها كانت أياماً كاملة بغير زيادة ولا نقصان. ولو قال في يومين - وقد يطلق اليومان على أكثرهما -لكان يجوز أن يريد باليومين الأولين والآخرين أكثرهما { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } من قولك استوى إلى مكان كذا، إذا توجه إليه توجهاً لا يلوي على شيء، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونحوه قولهم استقام إليه وامتد إليه. ومنه قوله تعالىفَٱسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ } فصلت 6 والمعنى ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد خلق الأرض وما فيها من غير صارف يصرفه عن ذلك. قيل كان عرشه قبل خلق السمٰوات والأرض على الماء، فأخرج من الماء دخاناً، فارتفع فوق الماء وعلا عليه، فأيبس الماء فجعله أرضاً واحدة، ثم فتقها فجعلها أرضين، ثم خلق السماء من الدخان المرتفع.

السابقالتالي
2