الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ }

كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص، وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة نعى إلى نبيه نفسه، ونعى إليكم أنفسكم. وقرىء «مائت ومائتون» والفرق بين الميت والمائت أنّ الميت صفة لازمة كالسيد. وأما المائت، فصفة حادثة تقول زيد مائت غداً، كما تقول سائد غداً، أي سيموت وسيسود. وإذا قلت زيد ميت، فكما تقول حي في نقيضه، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت. والمعنى في قوله { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان { ثُمَّ إِنَّكُمْ } ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب { تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً، حتى يقال لهملاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } قۤ 28 والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر 967 لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أنّ هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب؟ قلنا كيف تختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا نعم هو هذا. وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا هذه خصومتنا. وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدلّ عليه كلام الله هو ما قدمت أولاً. ألا ترى إلى قوله تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } وقوله تعالىوَٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الزمر 33 وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة { كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه { وَكَذَّبَ بِٱلصّدْقِ } بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ماء جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { إِذْ جَاءهُ } فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة، لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون { مَثْوًى لّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في { لِلْكَـٰفِرِينَ } إشارة إليهم.