الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } * { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } * { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ }

أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤوسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم كما قالوالَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } الزخرف 31 وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوّة من بينهم { بَلْ هُمْ فَى شَكٍّ } من القرآن، يقولون في أنفسهم إما وإما. وقولهم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلَٰقٌ } كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد حينئذ، يعني أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه { أَمْ عِندَهُمْ خَزآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } يعني ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا، ويتخيروا للنبوّة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد عليه الصلاة والسلام. وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله، كما قالأَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا } الزخرف 32 ثم رشح هذا المعنى فقال { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلـٰهية التي يختص بها ربّ العزّة والكبرياء، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوّة دون من لا تحق له { فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَٰبِ } فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون، ثم خسأهم خساءة عن ذلك بقوله { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } يريد ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله، مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. و ما مزيدة، وفيها معنى الاستعظام، كما في قول امرىء القيس
وَحَدِيثٌ مَا عَلَى قِصَرِهْ   
إلا أنه على سبيل الهزء و { هُنَالِكَ } إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هنالك.