الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

فإن قلت كيف تطابق قوله { ٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } وقوله { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودُ } حتى عطف أحدهما على صاحبه؟ قلت كأنه قال لنبيه عليه الصلاة والسلام اصبر على ما يقولون، وعظم أمر معصية الله في أعينهم بذكر قصة داود، وهو أنه نبيّ من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما أولاه من النبوّة والملك، ولكرامته عليه وزلفته لديه، ثم زلّ زلّة فبعث إليه الملائكة ووبخه عليها. على طريق التمثيل والتعريض، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر وأناب، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم وغمّه الواصب، ونقش جنايته في بطن كفه حتى لا يزال يجدد النظر إليها والندم عليها فما الظنّ بكم مع كفركم ومعاصيكم؟ أو قال له صلى الله عليه وسلم اصبر على ما يقولون، وصن نفسك وحافظ عليها أن تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزلّة اليسيرة فلقي من توبيخ الله وتظليمه ونسبته إلى البغي ما لقي { ذَا ٱلأَيْدِ } ذا القوّة في الدين المضطلع بمشاقه وتكاليفه، كان على نهوضه بأعباء النبوّة والملك يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أشدّ الصوم، ويقوم نصف الليل. يقال فلان أيد، وذو أيد، وذو آد. وأياد كل شيء ما يتقوّى به { أَوَّابٌ } توّاب رجاع إلى مرضاة الله. فإن قلت ما دلك على أنّ الأيد القوّة في الدين؟ قلت قوله تعالى { إِنَّهُ أَوَّابٌ } لأنه تعليل لذي الأيد { وَٱلإشْرَاقِ } وقت الإشراق، وهو حين تشرق الشمس، أي تضيء ويصفوا شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها، يقال شرقت الشمس، ولما تشرق. وعن أمّ هانىء 956 دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى وقال " يا أمّ هانىء هذه صلاة الإشراق " وعن طاووس، عن ابن عباس قال هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا لا، فقرأ { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } وقال كانت صلاة يصليها داود عليه السلام. وعنه ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية. وعنه لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى طلبتها فوجدتها في الآية { يُسَبّحْنَ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإشْرَاقِ } وكان لا يصلي صلاة الضحى، ثم صلاها بعد. وعن كعب أنه قال لابن عباس إني لا أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس، فقال أنا أوجدك ذلك في كتاب الله تعالى، يعني هذه الآية. ويحتمل أن يكون من أشرق القوم إذا دخلوا في الشروق، ومنه قوله تعالىفَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } الحجر 73 وقول أهل الجاهلية أشرق ثبير، ويراد وقت صلاة الفجر لانتهائه بالشروق.

السابقالتالي
2 3