الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في أمرأه، ولا بنوّة ودعوة في رجل. والمعنى أن الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً. عالماً ظاناً. موقناً شاكاً في حالة واحدة - لم ير أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أُمًّا لرجل زوجاً له لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوكة وهما حالتان متنافيتان، وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابنا له لأنّ البنوّة أصالة في النسب وعراقة فيه، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل، وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيراً. وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وطلبه أبوه وعمه، فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه. وكانوا يقولون زيد بن محمد، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وقولهمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ } الأحزاب 40 وقيل كان أبو معمر رجلاً من أحفظ العرب وأرواهم، فقيل له ذو القلبين، وقيل هو جميل بن أسد الفهري. وكان يقول إن لي قلبين. أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، فروي أنه انهزم يوم بدر، فمرّ بأبي سفيان وهو معلق أحدى نعليه بيده والأخرى في رجله. فقال له ما فعل الناس؟ فقال هم ما بين مقتول وهارب. فقال له ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال ما ظننت إلا أنهما في رجليّ، فأكذب الله قوله وقولهم، وضربه مثلاً في الظهار والتنبي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان فأكذبهم الله. وقيل سها في صلاته، فقالت اليهود له قلبان قلب مع أصحابه، وقلب معكم. وعن الحسن نزلت في أن الواحد يقول نفس تأمرني ونفس تنهاني. والتنكير في رجل، وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى، كأنه قال ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه. فإن قلت أي فائدة في ذكر الجوف؟ قلت الفائدة فيه كالفائدة في قولهٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } الحج 46 وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر والتجلي للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين، فكان أسرع إلى الإنكار.

السابقالتالي
2 3