الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

{ لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإسلام الذي هو أجلّ النعم. وبتوفيقك لعتقه ومحبته واختصاصه { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بما وفقك الله فيه، فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو زيد بن حارثة { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } يعني زينب بنت جحش رضي الله عنها 892 وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعدما أنكحها إياه، فوقعت في نفسه، فقال سبحان الله مقلب القلوب، وذلك أنّ نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال «مالك أرابك منها شيء؟» قال لا والله ما رأيت منها إلاّ خيراً، ولكنها تتعظم عليّ لشرفها وتؤذيني، فقال له " امسك عليك زوجك واتق الله " ، ثم طلقها بعد، فلما اعتدّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك، اخطب عليّ زينب. قال زيد فانطلقت فإذا هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، حين علمت أنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري وقلت يا زينب، أبشري إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبك، ففرحت وقالت ما أنا بصانعه شيئاً حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن { زَوَّجْنَـٰكَهَا } فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتدّ النهار. فإن قلت ما أراد بقوله { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ }؟ قلت أراد واتق الله فلا تطلقها، وقصد نهي تنزيه لا تحريم، لأن الأولى أن لا يطلق. وقيل أراد واتق الله فلا تذمّها بالنسبة إلى الكبر وأذّى الزوج. فإن قلت ما الذي أخفى في نفسه؟ قلت تعلق قلبه بها. وقيل مودة مفارقة زيد إياها. وقيل علمه بأن زيداً سيطلقها وسينكحها، لأن الله قد أعلمه بذلك. وعن عائشة رضي الله عنها 893 لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحى إليه لكتم هذه الآية. فإن قلت فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد أريد مفارقتها، وكان من الهجنة أن يقول له افعل، فإني أريد نكاحها؟ قلت كأن الذي أراد منه عزّ وجلّ أن يصمت عند ذلك، أو يقول له أنت أعلم بشأنك، حتى لا يخالف سره في ذلك علانيته لأن الله يريد من الأنبياء تساوي الظاهر والباطن، والتصلب في الأمور، والتجاوب في الأحوال والاستمرار على طريقة مستتبة.

السابقالتالي
2 3