الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } مقيماً للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال، ويثيب ويعاقب، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم. وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقولهوَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } البقرة 91. فإن قلت لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه؟ ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكباً لم يجز؟ قلت إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قولهوَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } الأنبياء 72 إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب. ولو قلت جاءني زيد وهند راكباً جاز لتميزه بالذكورة، أو على المدح. فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد. 162 " إنا معشر الأنبياء لا نورث " إنا بنى نهشل لا ندعي لأب؟ قلت قد جاء نكرة كما جاء معرفة. وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي
وَيَأْوِي إلى نِسْوَةٍ عُطْلٍ وَشُعْثا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِي   
فإن قلت هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل لا إلٰه قائماً بالقسط إلا هو؟ قلت لا يبعد، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف. فإن قلت قد جعلته حالا من فاعل شهد، فهل يصح أن ينتصب حالاً عن «هو» في { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }؟ قلت نعم، لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها، كقولك أنا عبد الله شجاعاً. وكذلك لو قلت لا رجل إلا عبد الله شجاعاً. وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد، وكذلك انتصابه على المدح. فإن قلت هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة وأولي العلم كما دخلت الوحدانية؟ قلت نعم إذا جعلته حالاً من هو، أو نصباً على المدح منه، أو صفة للمنفي، كأنه قيل شهد الله والملائكة وأولو العلم أنه لا إلٰه إلا هو، وأنه قائم بالقسط. وقرأ عبد الله «القائم بالقسط»، على أنه بدل من هو، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو حنيفة «قيما بالقسط» { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إلٰه آخر، والحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. فإن قلت ما المراد بأولي العلم الذي عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله؟ قلت هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد.

السابقالتالي
2