الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وعدهم الله النصر بشرط الصبر والتقوى في قوله تعالىإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ } آل عمران 125 ويجوز أن يكون الوعد قوله تعالى { سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } فلما فشلوا وتنازعوا لم يرعبهم. وقيل لما رجعوا إلى المدينة قال ناس من المؤمنين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فنزلت. وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره، واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل، وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا ـــ كانت الدولة للمسلمين أو عليهم ـــ فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم، والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم. يحسونهم أي يقتلونهم قتلا ذريعاً. حتى إذا فشلوا. والفشل الجبن وضعف الرأي. وتنازعوا، فقال بعضهم قد انهزم المشركون فما موقفنا ههنا وقال بعضهم لا نخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فممن ثبت مكانه عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلاْخِرَةَ } ونفر أعقابهم ينهبون، وهم الذين أرادوا الدنيا، فكرّ المشركون على الرماة، وقتلوا عبد الله بن جبير رضي الله عنه، وأقبلوا على المسلمين، وحالت الريح دبوراً وكانت صباً، حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا، وهو قوله { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } لماعلم من ندمكم على ما فرط منكم من عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } يتفضل عليهم بالعفو، أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم لأنّ الابتلاء رحمة كما أنّ النصرة رحمة. فإن قلت أين متعلق { حَتَّىٰ إِذَا } قلت محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره. ويجوز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم { إِذْ تُصْعِدُونَ } نصب بصرفكم، أو بقوله { لِيَبْتَلِيَكُمْ } أو بإضمار «اذكر» والإصعاد الذهاب في الأرض والإبعاد فيه. يقال صعد في الجبل وأصعد في الأرض. يقال أصعدنا من مكة إلى المدينة وقرأ الحسن رضي الله عنه «تصعدون»، يعني في الجبل. وتعضد الأولى قراءة أبي «إذ تصعدون في الوادي». وقرأ أبو حيوة «تصعدون»، بفتح التاء وتشديد العين، من تصعد في السلم وقرأ الحسن رضي الله عنه «تلون»، بواو واحدة وقد ذكرنا وجهها. وقرىء «يصعدون». «ويلوون» بالياء { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } كان يقول «إليّ عباد الله» إليّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكرّ فله الجنة» { فِى أُخْرَاكُمْ } في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة.

السابقالتالي
2 3