الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } * { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

{ طسۤ } قرىء بالتفخيم والإمالة، و { تِلْكَ } إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين إما اللوح، وإبانته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة. وإما الصورة. وإما القرآن، وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع، وأنّ إعجازهما ظاهر مكشوف، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين على سبيل التفخيم لها والتعظيم، لأنّ المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه. فإن قلت لم نكر الكتاب المبين؟ قلت ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له، كقوله تعالىفِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } القمر 55. فإن قلت ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن؟ قلت كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك هذا فعل السخي والجواد الكريم، لأنّ القرآن هو المنزل المبارك المصدّق لما بين يديه، فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح، فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك آي كتاب مبين. وقرأ ابن أبي عبلة «وكتابٌ مبينٌ» بالرفع على تقدير وآيات كتاب مبين، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين قولهالرَ تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ } الحجر 1؟ قلت لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدّم والتأخر، وذلك على ضربين ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب، وضرب فيه ترجح، فالأول نحو قوله تعالىوَقُولُواْ حِطَّةٌ } البقرة 58، الأعراف 161،وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا } البقرة 58، الأعراف 161 ومنه ما نحن بصدده. والثاني نحو قوله تعالىشَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } آل عمران 18، { هُدًى وَبُشْرَىٰ } في محل النصب أو الرفع، فالنصب على الحال، أي هادية ومبشرة والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، والرفع على ثلاثة أوجه، على هي هدى وبشرى، وعلى البدل من الآيات، وعلى أن يكون خبراً بعد خبر، أي جمعت أنها آيات، وأنها هدى وبشرى. والمعنى في كونها هدى للمؤمنين أنها زائدة في هداهم. قال الله تعالىفَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } التوبة 124 فإن قلت { وَهُم بِٱلأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } كيف يتصل بما قبله؟ قلت يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول، ويحتمل أن تتم الصلة عنده ويكون جملة اعتراضية، كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، وهو الوجه. ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرّر فيها المبتدأ الذي هو { وَهُمْ } حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.