الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } * { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله { كَلاَّ فَٱذْهَبَا } لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله { فَٱذْهَبَا } أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون. فإن قلت علام عطف قوله { فَٱذْهَبَا }؟ قلت على الفعل الذي يدل عليه { كَلاَّ } كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظنّ، فاذهب أنت وهارون. وقوله { مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } من مجاز الكلام، يريد أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه. فأظهركما وأُغلبكما وأكسر شوكته عنكما وأنكسه. ويجوز أن يكونا خبرين لأنّ، أو يكون { مُّسْتَمِعُونَ } مستقراً، و { مَّعَكُمْ } لغواً. فإن قلت لم جعلت { مُّسْتَمِعُونَ } قرينة { مَّعَكُمْ } في كونه من باب المجاز، والله تعالى يوصف على الحقيقة بأنه سميع وسامع؟ قلت ولكن لا يوصف بالمستمع على الحقيقة لأنّ الاستماع جار مجرى الإصغاء، والاستماع من السمع بمنزلة النظر من الرؤية. ومنه قوله تعالىقُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً } الجن 1 ويقال استمع إلى حديثه وسمع حديثه، أي أصغى إليه وأدركه بحاسة السمع. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم 782 " منِ استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم لَه كَارهونَ صُبَّ في أذنيه البرمُ " فإن قلت هلا ثنى الرسول كما ثنى في قولهإِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } طه 47؟ قلت الرسول يكون بمعنى المرسل، وبمعنى الرسالة، فجعل ثم بمعنى المرسل فلم يكن بدّ من تثنيته، وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجاز التسوية فيه - إذا وصف به - بين الواحد والتثنية والجمع، كما يفعل بالصفة بالمصادر، نحو صوم، وزور. قال
أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَبْرٌ الرَّسُو لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ   
فجعله للجماعة. والشاهد في الرسول بمعنى الرسالة قوله
لَقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُم بِسِرٍّ وَلاَ أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ   
ويجوز أن يوحد، لأنّ حكمهما لتساندهما، واتفاقهما على شريعة واحدة، واتحادهما لذلك وللإخوة كان حكماً واحداً، فكأنهما رسول واحد. أو أريد أنّ كل واحد منا { أَنْ أَرْسِلْ } بمعنى أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال. وتقول أرسلت إليك أن أفعل كذا، لما في الإرسال من معنى القول، كما في المناداة والكتابة ونحو ذلك. ومعنى هذا الإرسال التخلية والإطلاق كقولك أرسل البازي، يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين، وكانت مسكنهما. ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة، حتى قال البواب إنّ ههنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال ائذن له لعلنا نضحك منه، فأدّيا إليه الرسالة، فعرف موسى فقال له { أَلَمْ نُرَبّكَ } حذف فأتيا فرعون فقالا له ذلك، لأنه معلوم لا يشتبه.

السابقالتالي
2 3