الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }

سمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين، والفرات البليغ العذوبة حتى يضرب إلى الحلاوة. والأجاج نقيضه. ومرجهما خلاهما متجاورين متلاصقين، وهو بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج. وهذا من عظيم اقتداره. وفي كلام بعضهم وبحران أحدهما مع الآخر ممروج، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج { بَرْزَخاً } حائلاً من قدرته، كقوله تعالىبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } الرعد 2، لقمان 10 يريد بغير عمد مرئية، وهو قدرته. وقرىء «ملح» على فعل. وقيل كأنه حذف من مالح تخفيفاً، كما قال وصلياناً برداً، يريد بارداً. فإن قلت { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ما معناه؟ قلت هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي ههنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له حجراً محجوراً، كما قاللاَّ يَبْغِيَانِ } الرحمٰن 20 أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة، فانتفاء البغي ثمة كالتعوذ هٰهنا جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوّذ منه. وهي من أحسن الاستعارات وأشهدها على البلاغة.