الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }

قرىء { أَلَمْ يَرَوْاْ } بغير واو. و { رَتْقاً } بفتح التاء، وكلاهما في معنى المفعول، كالخلق والنقض، أي كانتا مرتوقتين. فإن قلت الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر، فما بال الرتق؟ قلت هو على تقرير موصوف، أي كانتا شيئاً رتقاً ومعنى ذلك أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السموات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها. وقيل ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل كانتا دون كنّ، لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم لقاحان سوداوان، أي جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. فإن قلت متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت فيه وجهان، أحدهما أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المرئيِّ المشاهد. والثاني أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلا بدّ للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه { وَجَعَلْنَا } لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدّى إلى واحد، فالمعنى خلقنا من الماء كل حيوان، كقولهوَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } النور 45 أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه، كقوله تعالىخُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الأنبياء 37 وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا بدّ له منه. و«من» هذا نحو «من» في قوله عليه السلام 696 " مَا أنَا مِنْ ددٍ ولا الددُ مِنْي " وقرىء «حيا» وهو المفعول الثاني. والظرف لغو.