الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ }

كرّر { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } استفظاعاً لشأنهم واستعظاماً لكفرهم، أي وصفتم الله تعالى بأنّ له شريكاً، فهاتوا برهانكم على ذلك إمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الوحي، فإنكم لا تجدون كتاباً من كتب الأوّلين إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعوّ إليه، والإشراك به منهي عنه متوعد عليه. أي { هَـٰذَا } الوحي الوارد في معنى توحيد الله ونفي الشركاء عنه، كما ورد عليّ فقد ورد على جميع الأنبياء، فهو ذكر أي عظة للذين معي يعني أمّته، وذكر للذين من قبلي يريد أمم الأنبياء عليهم السلام. وقرىء { ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى } بالتنوين ومن مفعول منصوب بالذكر كقولهأَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } البلد 14 ـــ 15 وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقولهغُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِى أَدْنَى ٱلأرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } الروم 3 وقرىء «من معي» و«من قبلي» على من الإضافية في هذه القراءة. وإدخال الجار على «مع» غريب، والعذر فيه أنه اسم هو ظرف، نحو قبل، وبعد، وعند، ولدن، وما أشبه ذلك، فدخل عليه «من» كما يدخل على أخواته. وقرىء «ذكر معي وذكر قبلي» كأنه قيل بل عندهم ما هو أصل الشرّ والفساد كله وهو الجهل وفقد العلم، وعدم التمييز بين الحق والباطل، فمن ثم جاء هذا الإعراض، ومن هناك ورد هذا الإنكار. وقرىء { ٱلْحَقّ } بالرفع على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب. والمعنى أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل. ويجوز أن يكون المنصوب أيضاً على هذا المعنى، كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل.