الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ طه } * { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } * { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } * { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى }

{ طه 1 } أبو عمرو فخم الطاء لاستعلائها. وأمال الهاء وفخمها ابن كثير وابن عامر على الأصل، والباقون أمالوهما وعن الحسن رضي الله عنه طه، وفسر بأنه أمر بالوطء، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقوم في تهجدِهِ على إحدى رجليه فأُمِرَ بأَنْ يطأَ الأرضَ بقدمَيْهِ معاً وأن الأصل طأ، فقلبت همزته هاء أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال
لاَ هَنَاكَ الْمَرْتَعُ   
ثم بني عليه الأمر، والهاء للسكت ويجوز أن يكتفي بشطري الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسميين، والله أعلم بصحة ما يقال إن «طاها» في لغة عك في معنى يا رجل، ولعل عكاً تصرفوا في «يا هذا» كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء، فقالوا في «يا» «طا»، واختصروا هذا فاقتصروا على ها، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به
إنَّ السَّفَاهَةَ طَاهَا في خَلاَئِقِكُم لاَقَدَّسَ اللَّهُ أخلاَقَ الْمَلاَعِينِ   
الأقوال الثلاثة في الفواتح أعني التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقنون { مَآ أَنَزَلْنَا } إن جعلت { طه1 } تعديداً لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام. وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ، و { ٱلْقُرْءَانَ } ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن، وأن يكون جواباً لها وهي قسم. وقرىء «ما نزل عليك القرآن» { لِتَشْقَىٰۤ } لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالىلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } الشعراء 3 والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل أشقى من رائض مهر، أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها. وروي. 683 أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمغدَتْ قدماهُ، فقالَ لَهُ جبريلُ عليه السلامُ أبقِ على نفسِكَ فإنَّ لهَا علَيكَ حَقاً. أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وكل واحد من { لِتَشْقَىٰ } و { تَذْكِرَةً } علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. فإن قلت أما يجوز أن تقول ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى، كقوله تعالىأَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } الحجرات 2؟ قلت بلى، ولكنها نصبة طارئة، كالنصبة في

السابقالتالي
2