الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله ابنه بنو أخيه ليرثوه، وطرحوه على باب مدينة ثم جاءوا يطالبون بديته، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } أتجعلنا مكان هزو، أو أهل هزو، أو مهزواً بنا، أو الهزو نفسه لفرط الاستهزاء { مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } لأن الهزو في مثل هذا من باب الجهل والسفه. وقرى «هزؤاً» بضمتين. و «هزءاً» بسكون الزاي، نحو كفؤا وكفؤاً. وقرأ حفص «هزواً» بالضمتين والواو وكذلك «كفواً». والعياذ واللياذ من واد واحد. في قراءة عبد الله «سل لنا ربك ما هي»؟ سؤال عن حالها وصفتها. وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا، فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن الخارجة عما عليه البقر. والفارض المسنة، وقد فرضت فروضاً فهي فارض. قال خفاف بن ندبة
لَعَمْرِي لَقَدْ أَعْطَيْتُ ضَيْفَكَ فَارِضاً تُسَاقُ إلَيْهِ مَا تَقُومُ عَلَى رِجْلِ   
وكأنها سميت فارضاً لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها. والبكر الفتية. والعوان النصف. قال
نَوَاعِمُ بَيْنَ أَبْكَارٍ وَعُونِ   
وقد عوّنْت. فإن قلت { بَيْنَ } يقتضي شيئين فصاعداً فمن أين جاز دخوله على { ذٰلِكَ } قلت لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر من الفارض والبكر. فإن قلت كيف جاز أن يشار به إلى مؤنثين، وإنما هو للإشارة إلى واحد مذكر؟ قلت جاز ذلك على تأويل ما ذكر وما تقدّم، للاختصار في الكلام، كما جعلوا فعل نائباً عن أفعال جمة تذكر قبله تقول للرجل نعم ما فعلت، وقد ذكر لك أفعالاً كثيرة وقصة طويلة، كما تقول له ما أحسن ذلك. وقد يجري الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا. قال أبو عبيدة قلت لرؤبة في قوله
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وبَلَق كَأَنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ   
إن أردت الخطوط فقل كأنها. وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما. فقال أردت كأن ذاك ويلك! والذي حسن منه أنّ أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليست على الحقيقة وكذلك الموصولات. ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع { مَا تُؤْمَرونَ } أي ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به من قوله أمرتك الخير أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول به بالمصدر، كضرب الأمير. الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه. يقال في التوكيد أصفر فاقع ووارس، كما يقال أسود حالك وحانك، وأبيض يقق ولهق. وأحمر قاني وذريحي. وأخضر ناضر ومدهامّ. وأورق خطبانيّ وأرمك ردانيّ. فإن قلت فاقع ههنا واقع خبراً عن اللون، فلم يقع توكيداً لصفراء قلت لم يقع خبراً عن اللون إنما وقع توكيداً لصفراء، إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل واللون من سببها وملتبس بها، فلم يكن فرق بين قولك صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها.

السابقالتالي
2 3 4