الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } إما موصول بالمتقين على أنه صفة مجرورة، أو مدح منصوب، أو مرفوع بتقدير أعني الذين يؤمنون، أو هم الذين يؤمنون. وإما مقتطع عن المتقين مرفوع على الابتداء مخبر عنه بــ أولئك على هدى. فإذا كان موصولاً، كان الوقف على المتقين حسناً غير تامّ. وإذا كان مقتطعاً، كان وقفاً تاماً. فإن قلت ما هذه الصفة، أواردة بياناً وكشفاً للمتقين؟ أم مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها؟ أم جاءت على سبيل المدح والثناء كصفات الله الجارية عليه تمجيداً؟ قلت يحتمل أن ترد على طريق البيان والكشف لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من فعل الحسنات وترك السيئات. أمّا الفعل فقد انطوى تحت ذكر الإيمان الذي هو أساس الحسنات ومنصبها، وذكر الصلاة والصدقة لأنّ هاتين أُمّا العبادات البدنية والمالية، وهما العيار على غيرهما. ألم تر كيف سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم14 " الصلاة عماد الدين. " 16 وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة؟15.وسمى الزكاةقنطرة الإسلام؟ وقال الله تعالىوويلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } فصلت 6 ـــ 7. فلما كانتا بهذه المثابة كان من شأنهما استجرار سائر العبادات واستتباعها. ومن ثم اختصر الكلام اختصاراً، بأن استغنى عن عدّ الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها، والذي إذا وجد لم تتوقف أخواته أن تقترن به، مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين. وأما الترك فكذلك. ألا ترى إلى قوله تعالىإِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } العنكبوت 45؟ ويحتمل أن لا تكون بياناً للمتقين، وتكون صفة برأسها دالة على فعل الطاعات، ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي. ويحتمل أن تكون مدحاً للموصوفين بالتقوى، وتخصيصاً للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهاراً لإنافتها عن سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات. والإيمان إفعال من الأمن. يقال أمنته وآمنته غيري. ثم يقال آمنه إذا صدّقه. وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة. وأمّا تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقرّ وأعترف. وأمّا ما حكى أبو زيد عن العرب ما آمنت أن أجد صحابة ـــ أي ما وثقت ــ فحقيقته صرت ذا أمن به، أي ذا سكون وطمأنينة، وكلا الوجهين حسن في { يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق. ويجوز أن لا يكون { بِٱلْغَيْبِ } صلة للإيمان، وأن يكون في موضع الحال، أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به. وحقيقته ملتبسين بالغيب، كقولهٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } فاطر 18،لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } يوسف 52. ويعضده ما روى «أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم، فقال ابن مسعود إنّ أمر محمد كان بيناً لمن رآه.

السابقالتالي
2