الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ فَإِنّي قَرِيبٌ } تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بحال من قرب مكانه، فإذا دعى أسرعت تلبيته، ونحوهوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ق 16 وقوله عليه الصلاة والسلام 92 " هو بينكم وبين أعناق رواحلكم " وروي 93 أنّ أعربياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى } إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم. وقرىء «يرشَدون ويرشِدون»، بفتح الشين، وكسرها. 94 كان الرجل إذا أمسى حل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد، فإذا صلاها أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى القابلة، ثم إنّ عمر رضي الله عنه واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله، إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة،وأخبره بما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام «ما كنت جديراً بذلك يا عمر» فقام رجال فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء، فنزلت. وقرىء «أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث»، أي أحلّ الله. وقرأ عبد الله «الرفوث»، وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، كلفظ النيك، وقد أرفث الرجل. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه أنشد وهو محرم
وهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِك لَمِيسَا   
فقيل له أرفثت؟ فقال إنما الرفث ما كان عند النساء. وقال الله تعالى { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } فكنى به عن الجماع، لأنه لا يكاد يخلو من شيء من ذلك. فإن قلت لم كنى عنه ههنا بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قولهوَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } النساء 21،فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } الاعراف 189، { بَـٰشِرُوهُنَّ } ،أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء } النساء 43،دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } النساء 23،فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } البقرة 223،مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } البقرة 237،فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } النساء 24،وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } البقرة 222؟ قلت استهجاناً لما وجد منهم قبل الإباحة، كما سماه اختياناً لأنفسهم. فإن قلت لم عدى الرفث بإلى؟ قلت لتضمينه معنى الإفضاء. لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه، شبه باللباس المشتمل عليه. قال الجعدي
إذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا   
فإن قلت ما موقع قوله { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ }؟ قلت هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهنّ مثل هذه المخالطة والملابسة قلّ صبركم عنهنّ وصعب عليكم اجتنابهنّ، فلذلك رخص لكم في مباشرتهنّ { تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } تظلمونها وتنقصونها حظها من الخير. والاختيان من الخيانة، كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } واطلبوا ما قسم الله لكم وأثبت في اللوح من الولد بالمباشرة، أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل.

السابقالتالي
2 3