الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } إذا دنا منه وظهرت أماراته { خَيْر } مالاً كثيراً. عن عائشة رضي الله عنها أنّ رجلاً أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار، فقالت ما أرى فيه فضلاً. وأراد آخر أن يوصي فسألته كم مالك؟ فقال ثلاثة آلاف. قالت كم عيالك؟ قال أربعة. قالت إنما قال الله { إِن تَرَكَ خَيْرًا } وإنّ هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك، وعن عليّ رضي الله عنه أنّ مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة فمنعه. وقال قال الله تعالى { إِن تَرَكَ خَيْرًا } والخير هو المال، وليس لك مال. والوصية فاعل كتب، وذكر فعلها للفاصل، ولأنها بمعنى أن يوصى، ولذلك ذكر الراجع في قوله { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا مَا سَمِعَهُ } والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث، وبقوله عليه السلام 87 " إنّ الله أعطى كلّ ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث " وبتلقي الأمّة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإن كان من الآحاد، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذي صحت روايته. وقيل لم تنسخ، والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين. وقيل ما هي بمخالفة لآية المواريث. ومعناها كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالىيُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم، وأن لا ينقص من أنصبائهم { بِٱلْمَعْرُوفِ } بالعدل، وهو أن لا يوصي للغني ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث { حَقّاً } مصدر مؤكد، أي حق ذلك حقاً { فَمَن بَدَّلَهُ } فمن غير الإيصاء عن وجهه إن كان موافقاً للشرع من الأوصياء والشهود { بَعْدِ مَا سَمِعَهُ } وتحققه { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ } فما إثم الإيصاء المغير أو التبديل إلا على مبدّليه دون غيرهم من الموصي والموصى له، لأنهما بريان من الحيف { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وعيد المبدّل { فَمَنْ خَافَ } فمن توقع وعلم، وهذا في كلامهم شائع يقولون أخاف أن ترسل السماء، يريدون التوقع والظنّ الغالب الجاري مجرى العلم { جَنَفًا } ميلاً عن الحق بالخطأ في الوصية { أَوْ إِثْماً } أو تعمداً للحيف { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } بين الموصى لهم وهم الوالدان والأقربون بإجرائهم على طريق الشرع { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } حينئذ، لأنّ تبديله تبديل باطل إلى حق ذكر من يبدّل بالباطل ثم من يبدّل بالحق ليعلم أنّ كل تبديل لا يؤثم.