الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

{ فِي بُطُونِهِمْ } ملء بطونهم. يقال أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه { إِلاَّ ٱلنَّارَ } لأنه إذا أكل ما يلتبس بالنار لكونها عقوبه عليه، فكأنه أكل النار، ومنه قولهم أكل فلان الدم، إذا أكل الدية التي هي بدل منه. قال
أَكَلْتُ دَماً إنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ   
وقال
يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إكَافَا   
راد ثمن الإكاف، فسماه إكافاً لتلبسه بكونه ثمناً له { وَلاَ يُكَلِـّمُهُمُ ٱللَّهُ } تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم. وقيل نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه فصرمه وقطع كلامه. وقيل لا يكلمهم بما يحبون، ولكن بنحو قولهٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } المؤمنون 108. { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرّض لما يوجب غضب السلطان ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب. وقيل فما أصبرهم، فأي شيء صبرهم. يقال أصبره على كذا وصبره بمعنى. وهذا أصل معنى فعل التعجب. والذي روي عن الكسائي أنه قال قال لي قاضي اليمن بمكة اختصم إليّ رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له ما أصبرك على الله، فمعناه ما أصبرك على عذاب الله { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ } أي ذلك العذاب بسبب أنّ الله نزل ما نزل من الكتب بالحق { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ } في كتب الله فقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل وهم أهل الكتاب { لَفِى شِقَاقٍ } لفي خلاف { بَعِيدٍ } عن الحق، والكتاب للجنس، أو كفرهم ذلك بسبب أنّ الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون، وإن الذين اختلفوا فيه من المشركين -فقال بعضهم سحر، وبعضهم شعر، وبعضهم أساطير- لفي شقاق بعيد. يعني أنّ أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقوا لما جسر هؤلاء أن يكفروا.